الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وهي سنة ست وتسعين وأربعمائة. فيها أعيدت الخطبة ببغداد إلى السلطان بركياروق السلجوقي بعد أن التقى مع أخيه محمد شاه وهزمه بركياروق. فتوجه محمد شاه إلى أرمينية وأخلاط ثم عاد إلى تبريز في جمادى الآخرة ومضى بركياروق إلى زنجان. ووقع بينهما في الآخر الاتفاق على شيء فعلوه. وفيها استوزر الخليفة المستظهر بالله العباسي زعيم الرؤساء أبا القاسم علي بن محمد بن محمد بن جهير على كره منه عزل وزيره سديد الملك أبا الفضل بن عبد الرزاق. فكانت ولايته عشرة أشهر. وفيها توفي أردشير بن منصور أبو الحسين العبادي الواعظ الأستاذ كان أصله من أهل مرو وكان يخاطب بالأمير قطب الدين. قدم بغداد وجلس في النظامية وحضر أبو حامد الغزالي مجلس وعظه وكان يحضر مجلسه من الرجال والنساء ثلاثون ألفًا. وكان صمته أكثر من نطقه وإذا تكلم هابته الناس وبوعظه حلق أكثر الصبيان رؤوسهم ولزموا المساجد وبددوا الخمور وكسروا الملاهي. ولما قدم بغداد ووعظ بها وكان البرهان الغزنوي يعظ بها قبله فانكسر سوقه. فقال الدهان الشاعر المشهور في ذلك: السريع لله قطب الذين من عالم منفرد بالعلم والباس قد ظهرت حجته للورى قام بها البرهان للناس ومات قطب الدين في غرة جمادى الآخرة. رحمه الله. وفيها توفي الشيخ أبو المعالي الزاهد الصالح البغدادي. كان مقيمًا بمسجد باب الطاق ببغداد فحضر مجلس ابن أبي عمامة فوقع كلامه في قلبه فتزهد وكان لا ينام إلا جالسًا ولا يلبس إلا ثوبًا وفيها توفي الشيخ أبو طاهر أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن سوار المقرئ المجود. كان إمامًا عارفًا بالقراءات وسمع الحديث واشتغل في القراءات سنين. وفيها توفي الشيخ أبو داود سليمان بن نجاح المؤيدي المقرئ الإمام. مات في شهر رمضان وله ثلاث وثمانون سنة وقد انتهت إليه رياسة القراء في زمانه. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وثماني أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا لإصبع واحدة. السنة الثانية من خلافة الآمر منصور وهي سنة سبع وتسعين وأربعمائة. فيها وقع الصلح بين الأخوة أولاد السلطان ملكشاه السلجوقي وهم السلطان بركياروق ومحمد شاه وسنجر شاه على أن يكون اسم السلطنة لبركياروق وضرب النوبة عني الطبلخانات في أوقات الصلوات الخمس على بابه وأن يكون لمحمد شاه أرمينية وأذربيجان وديار بكر والجزيره والموصل وأن يكون لسنجر شاه خراسان على حاله أولا وأن يكون لبركياروق الجبل وهمذان وأصبهان والري وبغداد وأعمالها والخطبة ببغداد وأن محمد شاه وسنجرشاه يخطبان لنفسيهما. وفيها نزل الأمير سكمان بن أرتق صاحب ماردين وجكرمش صاحب الموصل على رأس العين عازمين على لقاء الفرنج وكان خرج ريمند وطنكري صاحب إنطاكية بعساكر الفرنج إلى الرهاء فالتقوا فنصر الله المسلمين وقتلوا منهم عشرة آلاف وانهزم ريمند وطنكري في نفر يسير من الفرنج. وفيها نزل بغدوين صاحب القدس الفرنجي على عكا في البر والبحر في نيف وتسعين مركبًا فحصروها من جميع الجهات وكان واليها زهر الدولة الجيوشي فقاتل حتى عجز فطلب الأمان له وللمسلمين فلم يعطوه لما علموا الفرنج من أهل مصر أنهم لم ينجدوه ثم أخذوها بالسيف في شهر رمضان. وقد قدمنا ذكر ذلك في ترجمة الآمر هذا بأكثر من هذا القول. وفيها حاصر صنجيل الفرنجي طرابلس وبنى عليها حصنًا فخرج القاضي ابن عمار صاحب طرابلس بعسكره في ذي الحجة وهدم الحصن وقتل من فيه من الفرنج ونهبه وكان فيه شيء كثير. وفيها توفي أحمد بن الحسين بن حيدرة الأديب أبو الحسين ويعرف بابن خراسان الطرابلسي الشاعر المشهور. وكان شاعرًا مجيدًا هجا فخر الملك ابن عمار قاضي طرابلس وصاحبها وأخاه فأمر به قاضي طرابلس المذكور فضرب حتى مات. ومن شعره من قصيدة: الطويل وفيها توفي إسماعيل بن علي بن الحسن بن علي الشيخ أبو علي الجاجرمي الأصم النيسابوري. ولد سنة ست وأربعمائة ورحل في طلب العلم وطاف البلاد وعاد إلى نيسابور فمات بها في المحرم. وكان فقيهًا واعظًا زاهدًا ورعًا صدوقًا ثقة حسن الطريقة. وفيها توفي دقماق بن تتش الأمير أبو نصر شمس الملوك السلجوقي صاحب دمشق. وسماه الذهبي وصاحب مرآة الزمان دقاقًا بلا ميم. ولعل الذي قلناه هو الصواب فإننا لم نسمع باسم قبل ذلك يقال له دقاق وأيضًا فإن جد السلجوقيين الأعلى اسمه دقماق وهذا من أكبر الأدلة على أن اسمه دقماق. ولي دمشق بعد قتل أبيه تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان وقام بأمر الأتابك ظهير الدين طغتكين وتزوج طغتكين والدته. فأقام في مملكة دمشق حتى مات. وملك دمشق بعده ابنه تتش وهو حدث السن وأوصى أن يكون طغتكين أيضًا القائم بدولته فوقع ذلك وقام طغتكين بالأمر أحسن قيام. وفيها توفي العلاء بن الحسن بن وهب بن الموصلايا أبو سعد الكاتب الفاضل. كتب في الإنشاء للخلفاء خمسًا وستين سنة. وكان نصرانيًا فأسلم في سنة أربع وثمانين وأربعمائة على يد الخليفة المقتدي بالله العباسي. ومات فجاءة. وكان طاهر الفسان كريم الأخلاق شاعرًا مجيدًا مترسلا. ومن شعره: الوافر ودعاني فقد دعاني إلى الحك - - م غريم الغرامة آلت عندي فعساه يرق إذ ملك الر - - ق بنقد من وصله أو بوعد أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمس أذرع واثنتا عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثلاث عشرة إصبعًا. السنة الثالثة من خلافة الآمر منصور وهي سنة ثمان وتسعين وأربعمائة. فيها هلك صنجيل عظيم الفرنج وصاحب إنطاكية. وفيها بعث ضياء الذين محمد وزير ميافارقين إلى قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش وهو بملطية يستدعيه إلى ميافارقين فتوجه إليه قلج أرسلان وملك ميافارقين. وكان مبدأ قلج أرسلان هذا أنه خدم ملكشاه السلجوقي فأرسله على جيش لغزو الروم فسار وافتتح ملطية وقيسارية وأقصرى وقونية وسيواس وجميع ممالك الروم فأقره ملكشاه بها فأقام بها وعد من الملوك إلى أن قدم ميافارقين واستولى عليها وولاها لمملوك والده خمرتاش السليماني. واستوزر قلج أرسلان ضياء الدين المذكور وأخذه معه وولاه أبلستين. ثم وقع بين قلج أرسلان هذا وبين جاولي مملوك السلطان محمد شاه بن ملكشاه وتقاتلا فانكسر قلج أرسلان. فلما رأى الهزيمة عليه ألقى نفسه في الخابور فغرق فأخرج وحمل تابوته إلى ميافارقين ودفن بها. وفيها بعث يوسف بن تاشفين صاحب المغرب إلى الخليفة المستظهر بالله العباسي يخبره أنه خطب له على منابر ممالكه وأرسل يطلب منه الخلع والتقليد فبعث إليه بما طلب. وفيها توفي السلطان ركن الدولة بركياروق ابن السلطان ملكشاه ابن السلطان ألب أرسلان بن داود بن سلجوق بن دقماق السلجوقي أبو المظفر. مات في شهر ربيع الأول وهو ابن أربع وعشرين سنة. وكانت سلطنته اثنتي عشرة سنة. وعهد لولده ملكشاه وأوصى به الأمير آيازة فتوجه آياز بالصبي إلى بغداد ونزل به دار المملكة وعمره أربع سنين وعشرة أيام وأجلسه على تخت الملك مكان أبيه بركياروق وخطب له ببغداد في جمادى الأولى. فلم يتم أمر الصبي وملك عمه محمد شاه الذي كان ينازع أخاه بركياروق وقتل آياز المذكور. وبركياروق: بفتح الباء الموحدة وسكون الراء والكاف وفتح الياء المثناة من تحتها وبعد الألف راء مضمومة وبعد الراء واو وقاف. وفيها توفي محمد بن علي بن الحسن بن أبي الصقر أبو الحسن الواسطي. تفقه على أبي إسحاق الشيرازي وسمع الحديث الكثير. وكان أديبًا عالمًا. ومن شعره لما كبر سنه وصار لا يستطيع القيام لأصحابه: الوافر علة سفيت ثمانين عامًا منعتني للأصدقاء القياما فإذا عمروا تمهد عذري عندهم بالذي ذكرت وقاما وفيها توفي الحافظ أبو علي الحسين بن محمد الغساني الجياني عن إحدى وتسعين سنة. كان إمامًا حافظًا سمع الكثير وحدث وكتب وصنف. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا. السنة الرابعة من خلافة الآمر منصور وهي سنة تسع وتسعين وأربعمائة. فيها ظهر رجل من نواحي نهاوند وادعى النبوة وكان ممخرقًا بالسحر والنجوم فتبعه خلق كثير وحملوا إليه أموالهم. وكان يعطي جميع ما عنده لمن يقصده وسمى أصحابه بأسماء الصحابة الخلفاء رضوان الله عليهم. وكان خرج أيضًا في هذه السنة بنهاوند رجل من ولد ألب أرسلان السلجوقي يطلب الملك فخرج إليهما العساكر وأخذوا الرجل المدعي النبوة والذي طلب الملك معًا وقتلا. وفيها كان بين الفرنج وبين طغتكين واقعة عظيمة على سواد طبرية. وفيها ملكت الإسماعيلية حصن فامية وقتلوا خلف بن ملاعب صاحب الحصن بأمر أبي طاهر الصائغ العجمي المقيم بحلب. وهذا الصائغ هو الذي أظهر مذهب الباطنية الرافضة وقتلته الفرنج وأراح الله المسلمين منه. وفيها توفي عمر بن المبارك بن عمر أبو الفوارس البغدادي. ولد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة وبرع في علم القرآن وقرأ الناس عليه سنين كثيرة وسمع الحديث الكثير وكان من الصالحين. وفيها توفي مهارش البدوي بن مجلي الأمير أبو الحارث صاحب الحديثة الذي خدم الخليفة القائم بأمر الله فيما تقدم ذكره لما حصل عنده بالحديثة. وكان مهارش هذا كثير الصلاة والصوم والصدقة صالحًا محبًا لأهل العلم. وعاش نيفًا وثمانين سنة. رحمه الله. وفيها توفي الشيخ الإمام المقرئ أبو البركات محمد بن عبد الله بن يحيى بن الوكيل المقرئ المحدث مات وله ثلاث وتسعون سنة. وكان عالمًا بفنون كثيرة عارفًا بعلوم القرآن. وفيها توفي الشيخ الإمام أبو البقاء المعمر بن محمد بن علي الكوفي الحبال ومات وله ست أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثماني أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا. السنة الخامسة من خلافة الآمر منصور وهي سنة خمسمائة. فيها ولى الخليفة المستظهر بالله أبا جعفر عبد الله الدامغاني أخا قاضي القضاة حجبة الباب فرمى الطيلسان وتزيا بزي الحجبة فشق ذلك على أخيه. وفيها بعث السلطان محمد شاه برأس أحمد بن عبد الملك بن عطاش مقدم الباطنية ورأس ولده. وكان ابن عطاش هذا في قلعة عظيمة بأصبهان. وفيها توفي جعفر بن أحمد بن الحسين بن أحمد الشيخ أبو محمد السراج القارئ البغدادي. ولد سنة ست عشرة وأربعمائة. وقرأ بالروايات وأقرأ سنين وسافر إلى مصر والشام وسمع الحديث وصنف المصنفات الحسان منها كتاب مصارع العشاق وغيره. وكان فاضلا شاعرًا لطيفًا. نظم كتاب التنبيه وغيره. ولم يمرض في عمره سوى مرض الموت. ومن شعره: السريع يا ساكني الدير حلولا به يطربهم فيه النواقيس وفيها قتل السلطان محمد شاه بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي وزيره سعد الملك سعد بن محمد أبا المحاسن واستوزر عوضه أبا نصر أحمد بن نظام الملك. وكان سبب قتله أنه بلغه أنه دبر عليه هو وجماعة وكاتب أخاه سنجر شاه فقبض عليه وصلبه وأصحابه. وفيها قتل أيضًا الوزير فخر الملك علي بن الوزير نظام الملك حسن وكنيته أبو المظفر. كان استوزره بركياروق ثم توجه إلى نيسابور فوزر إلى سنجر شاه. وثب عليه شخص في زي الصوفية من الباطنية وناوله قضة ثم ضربه بسكين فقتله. قلت: وهكذا أيضًا وقع لأبيه نظام الملك. حسب ما ذكرناه في محله. فأخذ الباطني وفصل على قبر فخر الملك عضوًا عضوًا. وفيها توفي محمد بن إبراهيم أبو عبد الله الأسدي. ولد بمكة سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وسافر البلاد ولقي العلماء. وكان إمامًا فاضلا شاعرًا. ومن شعره: الخفيف قلت ثقلت إذ أتيت مرارًا قال ثقلت كاهلي بالأيادي قلت طولت قال لا بل تط - - ولت وأبرمت قال حبل ودادي ورأيت هذين البيتين في شرح البديعية لابن حجة في القول بالموجب ونسبهما لابن حجاج. والله أعلم. وفيها توفي الحافظ أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد الحداد الإمام العالم المحدث. مات في ذي وفيها توفي الشيخ الإمام أبو غالب محمد بن الحسن الكرخي الباقلاني العالم المشهور. مات وله ثمانون سنة. وفيها توفي أبو الكرم المبارك بن فاخر النحوي البغدادي. كان إمامًا عالمًا بالنحو واللغة والعربية وله مصنفات حسان. وتوفي ببغداد. وفيها توفي سلطان المسلمين بالمغرب يوسف بن تاشفين اللمتوني صاحب المغرب كان من عظماء ملوك الغرب. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثماني أذرع وتسع أصابع. مبلغ الزيادة تسع عشرة ذراعًا وإصبع واحدة. السنة السادسة من خلافة الآمر منصور وهي سنة إحدى وخمسمائة. فيها ظهرت ببغداد صبية عمياء تتكلم عن أسرار الناس فكانت تسأل عن نقوش الخواتم وما عليها وألوان الفصوص إلى غير ذلك. وفيها حاصر بغدوين الفرنجي صاحب القدس صيداء وضايقها. حسب ما ذكرناه في أول وفيها توفي الحسين بن أحمد بن النقار الشيخ أبو طاهر. ولد بالكوفة ونشأ ببغداد. وكان أديبًا شاعرًا فاضلا. ومن شعره: السريع وزائر زار على غفلة وقد أماط الصبح ثوب الظلام راح وقد سهلت الراح من أخلاقه ما كان صعب المرام وفيها قتل صدقة بن منصور بن دبيس بن مزيد الأمير أبو الحسن سيف الدولة صاحب الحلة. كان كريمًا عفيفًا عن الفواحش وكانت داره ببغداد حرمًا للخائفين. لم يتزوج غير امرأة واحدة في عمره ولا تسرى قط. قتل في واقعة كانت بينه وبين عسكر السلطان محمد شاه. قلت: وكانت سيرته مشكورة وخصاله محمودة وإن لم يسلم من مذهب أهل الحلة فإن أباه كان من كبار الرافضة. وفيها توفي عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الشيخ الإمام أبو المحاسن الروياني الطبري فخر الإسلام. ولد في ذي الحجة سنة خمس عشرة وأربعمائة وتفقه ببخارى مدة وبرع في مذهب الشافعي - رضي الله عنه - وله مصنفات في مذهبه منها كتاب بحر المذهب وهو أطول كتب الشافعية وكتاب مناصيص الشافعي وكتاب الكافي وصنف في الأصول والخلاف. وكان قاضي طبرستان فقتله الملاحدة في يوم الجمعة حادي عشر المحرم - ورويان: بلدة بنواحي وفيها توفي يحيى بن علي بن محمد بن الحسن بن بسطام أبو زكرياء الشيباني التبريزي الخطيب اللغوي. كان إمامًا في علم اللسان. رحل إلى الشام وقرأ اللغة على أبي العلاء المعري وسمع الحديث وحدث وأقرأ اللغة. ومات في جمادى الآخرة وله إحدى وثمانون سنة. وفيها توفي الملك تميم بن المعز بن باديس صاحب إفريقية وما والاها من بلاد المغرب. امتدت أيامه وكان من أجل ملوك المغرب أقام هو وأبوه المعز نحوًا من مائة سنة وأكثر ومات وله تسع وسبعون سنة. والصحيح أنه مات في القابلة. حسب ما يأتي ذكره. وقد أثبت الذهبي وفاته في هذه السنة. وفيها توفي الشيخ المسلك أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الدوني الصوفي أحد كبار مشايخ الصوفية في شهر رجب. وكان له قدم في علم التصوف. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا. السنة السابعة من خلافة الآمر منصور وهي سنة اثنتين وخمسمائة. فيها توفي إسماعيل بن إبراهيم بن العباس بن الحسن الشريف أبو الفضل الحسيني الدمشقي المعروف بابن أبي الجن. كان فقيهًا فاضلا ثقة. ولي قضاء دمشق مدة وبها توفي. وفيها توفي ملك المغرب تميم بن المعز بن باديس أبو يحيى صاحب إفريقية وينتهي نسبه إلى يعرب بن قحطان قاله السمعاني. ولد سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وعاش ثمانين سنة وأقام في الإمرة ستًا وأربعين سنة وخفف مائة ولد لصلبه قاله صاحب مرآة الزمان قال: لأنه كان مغرى بالجواري مع اهتمامه بالملك وقيل: إنه مات وله خمسون ولدًا. وكان مقامه بالمهدية. وكان عظيم القدر شاعرًا جوادًا ممدحًا. وله ديوان شعر. ومن شعره: الكامل ما بان عذري فيه حتى عذرا ومشى الدجى في خده فتحيرا همت تقبله عقارب صدغه فأسل ناظره عليها خنجرا والله لولا أن يقال تغنى وصبًا وإن كان التصابي أجدرا لأعدت تفاح الخدود بنفسجًا لثمًا وكافور الترائب عنبرا وله أيضًا: الطويل أما والذي لا يعلم السر غيره ومن هو بالسر المكتم أعلم لئن كان كتمان المصائب مؤلمًا لإعلامها عندي أشد وآلم وفيها توفي الحسن العلوي أبو هاشم رئيس همذان. كان جوادًا ممدحًا ممولا شجاعًا صاحب صدقات وصلوات. صادره السلطان محمد شاه السلجوقي على تسعمائة ألف دينار أداها في نيف وعشرين يومًا ولم يبع فيها عقارًا. وفيها توفي الشيخ أبو القاسم علي بن الحسين الربعي البغداي الفقيه المحدث. مات في شهر رجب. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع وثماني عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا. السنة الثامنة من خلافة الآمر منصور وهي سنة ثلاث وخمسمائة. فيها كاتب السلطان محمد شاه السلجوقي الأمير سكمان بن أرتق صاحب أرمينية وأخلاط وميافارقين والأمير شرف الذين مودودًا صاحب الموصل ونجم الدين إيلغازي صاحب ماردين بالاجتماع على جهاد الفرنج فاجتمعوا وبدؤوا بالرهاء. وبلغ الفرنج فاجتمع طنكري صاحب إنطاكية وابن صنجيل صاحب طرابلس وبغدوين صاحب القدس وتحالفوا هم أيضًا على قتال المسلمين وساروا فكانت وقعة عظيمة نصر الله المسلمين فيها وغنموا منهم شيئًا كثيرًا. وفيها توفي عمر بن عبد الكريم بن سعدويه الحافظ أبو الفتيان الدهستاني. كان إمامًا حافظًا محدثًا رحل البلاد وسمع الكثير وروى عنه أبو بكر الخطيب وغيره واتفقوا على صدقه وثقته ودينه. ومات في شهر ربيع الأول. وفيها توفي وجيه بن عبد الله بن نصر الأديب الفاضل أبو المقدام التنوخي. كان شاعرًا فصيحًا. ولما أخربت الفرنج المعرة أنشد في المعنى لمحمود بن علي: الخفيف هذه صاح بلدة قد قضى الل - - ه عليها كما ترى بالخراب وقف العيس وقفة وابك من كا - - ن بها من شيوخها والشباب واعتبر إن دخلت يومًا إليها فهي كانت منازل الأحباب وفيها توفي الشيخ الإمام أبو سعيد محمد بن محمد بن محمد الأصبهاني المعروف بالمطرز. مات في شوال. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع وثماني عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وخمس أصابع. وهي سنة أربع وخمسمائة. فيها بنى الخليفة المستظهر بالله العباسي على الخاتون بنت ملكشاه السلجوقي أخت السلطان محمد شاه. وفيها أيضًا جهز السلطان محمد شاه المذكور العساكر إلى الشام لقتال الفرنج وندب جماعة من الملوك معهم منهم شرف الذين مودود صاحب الموصل وقطب الدين سكمان بن أرتق صاحب ديار بكر فاجتمعوا ونزلوا على تل باشر ينتظرون البرسقي صاحب همذان فوصل إليهم وهو مريض فاختلفت آراؤهم لأمور وقعت ورجع كل واحد إلى بلاده. وفيها توفي الأمير قطب الدين سكمان بن أرتق - المقدم ذكره - صاحب ديار بكر. عاد من الرهاء مريضًا في محفة حتى وصل ميافارقين فمات بها. وحمل تابوته من ميافارقين إلى أخلاط فدفن به. وكان ملكًا عادلا مجاهدًا. وأبوه أرتق مات بالقدس. ونجم الدين إيلغازي بن أرتق أخو سكمان المذكور هو الذي ولي بعده. توجه إيلغازي المذكور إلى السلطان محمد شاه السلجوقي فولاه شحنكية العراق سصارى أرمن عوضًا عن أخيه سكمان ثم أخذ منه ماردين في سنة ثمان وخمسمائة وميافارقين في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة ثم أخذ منه حلب أيضًا. ولسكمان هذا وقائع مع الفرنج كثيرة ومواقف. رحمه الله. وفيها توفي علي بن محمد بن علي الشيخ الإمام العلامة الفقيه العالم المشهور بالكيا الهراسي الشافعي العجمي. لقبه عماد الذين. كان من أهل طبرستان وخرج إلى نيسابور وتفقه على أبي المعالي الخويني وقدم بغداد ودرس بالنظامية ووعظ وذكر مذهب الأشعري فرجم وثارت الفتن واتهم بمذهب الباطنية. فأراد السلطان قتله فمنعه الخليفة المستظهر بالله وشهد له بالبراءة. وكانت وفاته في يوم الخميس غرة المحرم ودفن عند الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وحضر لدفنه الشيخ أبو طالب الزينبي وقاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني - وكانا مقدمي طائفة الساعة الحنفية - فوقف أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال الدامغاني متمثلا بهذا البيت: الوافر وما تغني النوادب والبواكي وقد أصبحت مثل حديث أمس وأنشد الزينبي أيضًا متمثلا بهذا البيت: الكامل عقم النساء فما يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقم ولما مات رثاه أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان الغزي الشاعر المشهور ارتجالا بقصيدة أولها: البسيط هي الحوادث لا تبقي ولا تذر ما للبرية من محتومها وزر والكيا: بكسر الكاف وفتح الياء المثناة من تحتها وبعدها ألف. والهراسي معروف. والكيا بلغة الأعجام: الكبير القدر. وفيها توفي أبو يعلى حمزة بن محمد الزينبي أخو الإمام العالم طراد. مات في شهر رجب وله سبع وتسعون سنة. وفيها توفي الشيخ الإمام المقرئ أبو الحسين يحيى بن علي بن الفرج الخشاب بمصر. كان عالم مصر ومقرئها. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وأربع أصابع. السنة العاشرة من خلافة الآمر منصور وهي سنة خمس وخمسمائة. فيها عزل السلطان محمد شاه بن ملكشاه السلجوقي وزيره أحمد بن نظام الملك وكانت وزارته أربع سنين وأحد عشر شهرًا. وفيها توفي الشيخ الإمام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الألوسي الفقيه الشافعي. كان إمام عصره. تفقه على أبي المعالي الجويني حتى برع في عدة علوم كثيرة ودرس وأفتى وصنف التصانيف المفيدة في الأصول والفروع ودرس بالنظامية ثم ترك ذلك كله ولبس الخام الغليظ ولازم الصوم وحج وعاد ثم قدم إلى القدس وأخذ في تصنيف كتابه الإحياء وتممه بدمشق. وله من المصنفات البسيط والوسيط والوجيز وله غير ذلك. وذكره ابن السمعاني في النيل فقال: ومن شعره: الكامل حلت عقارب صدغه في خده قمرًا يجل بها عن التشبيه ولقد عهدناه يحل ببرجها ومن العجائب كيف حلت فيه وفيها توفي محمود بن علي بن المهنأ بن أبي المكارم الفضل بن عبد القاهر أبو سلامة المعري القائل في حق المعرة لما استولى عليها الفرنج الأبيات التي مرت في ترجمة وجيه بن عبد الله في سنة ثلاث وخمسمائة التي أولها: الخفيف هذه صاح بلدة قد قضى الل - - ه عليها كما ترى بالخراب وجد والد محمود هذا الفضل بن عبد القاهر هو القائل: البسيط ليلي وليلى نفى نومي اختلافهما بالطول والطول يا طوبى لو اعتدلا يجود بالطول ليلى كلما بخلت بالطول ليلى وإن جادت به بخلا وفيها توفي مقاتل بن عطية بن مقاتل الأمير شبل الدولة أبو الهيجاء البكري من ولد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. قال العماد الكاتب: كان شبل الدولة من أولاد العرب وقع بينه وبين أخوته خشونة ففارقهم وسار إلى خراسان وغزنة ومدح أعيانها واختص بنظام الملك الوزير. انتهى كلام العماد. قلت وهو الذي رثى نظام الملك بقوله: البسيط كان الوزير نظام الملك لؤلؤة نفيسة صاغها الرحمن من شرف أضحت ولا تعرف الأيام قيمتها فردها غيرة منه إلى الصدف أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وأربع أصابع. السنة الحادية عشرة من خلافة الآمر منصور وهي سنة ست وخمسمائة. فيها توفي محمد بن موسى بن عبد الله اللامشي التركي الإمام الفقيه الحنفي مصنف أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه. كان إمامًا عالمًا فقيهًا مفتنًا. ولي قضاء بيت المقدس مدة. وكانت وفاته بدمشق في يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الآخرة. وسماه الذهبي وفيها توفي قاضي القضاة أبو العلاء صاعد بن منصور النيسابوري الواعظ. كان إمامًا فقيهًا عالمًا واعظًا كان له لسان حلو في الوعظ. وفيها توفي الشيخ أبو سعد المعمر بن علي بن المعمر بن أبي عمامة الحنبلي الفقيه الواعظ كان فقيه بغداد وواعظها. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثماني أذرع وخمس عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وإصبعان. السنة الثانية عشرة من خلافة الآمر منصور وهي سنة سبع وخمسمائة. فيها توفي إسماعيل بن أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو علي البيهقي ولد أبي بكر أحمد صاحب التصانيف. رحل البلاد ولقي الشيوخ وسكن خوارزم ودرس بها ثم عاد إلى بيهق فتوفي بها. وكان إمامًا فاضلًا صدوقًا ثقة. وفيها توفي الأمير رضوان ابن الأمير تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان بن داود ابن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق السلجوقي المنعوت بفخر الملك صاحب حلب. ملكها بعد قتل أبيه تتش في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. وكان غير مشكور السيرة. قتل أخويه أبا طالب وبهرام وقتل خواص أبيه. وهو أول من بنى بحلب دار الدعوة. وكان ظالمًا بخيلًا شحيحًا قبيح السيرة ليس في قلبه رأفة ولا شفقة على المسلمين. وكانت الفرنج تغاور وتسبي وتأخذ من باب حلب ولا يخرج إليهم. ومرض أمراضًا مزمنة ورأى العبر في نفسه حتى مات في ثامن عشر جمادى الآخرة وملك بعده ابنه ألب أرسلان وعمره ست عشرة سنة وقام بكفالته لؤلؤ الخادم. وفيها توفي محمد بن أحمد بن الحسين أبو بكر الشاشي الفقيه الشافعي. ولد سنة سبع وعشرين وأربعمائة وكان يعرف بالمستظهري تفقه بجماعة وقرأ على ابن الصباغ كتاب الشامل ودرس بالنظامية. ومات في شوال ودفن عند أبي إسحاق الشيرازي. وكان كثيرًا ما ينشد: الوافر تعلم يا فتى والعود رطب وطينك لين والطبع قابل فحسبك يا فتى شرفًا وفخرًا سكوت الحاضرين وأنت قائل وفيها توفي محمد بن أحمد بن محمد الإمام العلامة أبو المظفر الأبيوردي وهو من ولد معاوية بن محمد بن عثمان بن عتبة بن عنبسة بن أبي سفيان صخر بن حرب. كان عالمًا بالأنساب وفنون اللغة والآداب وسمع الحديث ورواه وصنف لأبيورد تاريخًا وصنف المختلف والمؤتلف في أنساب العرب. وكان له الشعر الرائق. وكان فيه كبر وتيه بحيث إنه كان إذا صلى يقول: اللهم ملكني مشارق الأرض ومغاربها. وكتب قضة للخليفة وعلى رأسها الخادم المعاوي يريد بذلك نسبه إلى معاوية. فأمر الخليفة بكشط الميم ورد القصة فبقيت الخادم العاوي وكانت وفاته بأصبهان. ومن شعره وأجاد إلى الغاية: الطويل تنكر لي دهري ولم يدر أنني أعز وأحداث الزمان تهون وظل يريني الخطب كيف اعتداؤه وبت أريه الصبر كيف يكون وفيها توفي الأمير موعود صاحب الموصل. كان قدم الشام لمساعدة الأتابك ظهير الدين طغتكين وكسر الفرنج. وكان مودود هذا يدخل كل جمعة فيصلي بجامع دمشق ويتبرك بمصحف عثمان رضي الله عنه. فدخل على عادته ومعه الأتابك طغتكين يمشي في خدمته والغلمان حوله بالسيوف مسللة فلما صار في صحن الجامع وثب عليه رجل لا يؤبه له وقرب من مودود هذا كأنه يدعو له وضربه بخنجر أسفل سرته ضربتين أحداهما نفذت إلى خاصرته والأخرى إلى فخذه والسيوف تأخذه من كل ناحية وقطع رأسه ليعرف شخصه فما عرف. ومات مودود من يومه وكان صائمًا فلم يفطر وقال: والله ما ألقى الله إلا صائمًا. وكان من خيار الملوك دينًا وشجاعة وخيرًا. ولما بلغ السلطان محمدًا شاه السلجوقي موته أقطع الموصل والجزيرة لآق سنقر البرسقي وأمره بتقديم عماد الدين زنكي والرجوع إلى إشارته. وزنكي هذا هو والد الملك العادل نور الدين محمود المعروف بالشهيد المنشئ لدولة بني أيوب. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثماني أذرع وخمس عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وإصبعان.
|